دون سابق إنذار، وبعد سنوات من التجبر العسكري وفرض التجنيد الإجباري للشباب والأطفال والفتيات في مناطق سيطرة وحدات إرهاب الشعب الكردية (YPG)، أعلنت الإدارة الذاتية (قسد) واجهة قوات سوريا الديمقراطية، عن خطوة سياسية خبيثة تهدف إلى الانتقال من سلطة الأمر الواقع إلى مظلة الإرادة الشعبية المزعومة. قرار إجراء انتخابات بلدية في 11 حزيران 2024 الجاري، في عدة مناطق بشمال شرق سوريا، لكن هذا الإعلان قوبل بموجة اعتراضات كبيرة داخلية ودولية أسفرت عن تأجيل الانتخابات عدة مرات ويبقى السؤال هل تم الغاء الانتخابات بنكهة التأجيل..
فقد أعلنت المفوضية العليا للانتخابات في شمال شرقي سورية التابعة للإدارة الذاتية، التي يديرها حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، عن تأجيل الانتخابات البلدية المزمعة في 11 يونيو 2024 إلى أغسطس من نفس العام. ويأتي هذا التأجيل ليكون الثاني من نوعه بعد تأجيلها الأول الذي كان محدداً في 30 مايو 2024. يعود هذا التأجيل المتكرر إلى مجموعة من العوامل المعقدة والمتشابكة التي تتضمن عدم توفر الدعم السياسي اللازم، ورفض القوى المحلية والدولية، بالإضافة إلى الضغوط العسكرية المتزايدة من تركيا.
كان من المزمع عقد الانتخابات في مناطق الشهباء وعفرين ومنبج بريف محافظة حلب، ومقاطعتي الفرات والطبقة التابعتين لمحافظة الرقة، إضافة إلى مدن وبلدات ريف دير الزور الشرقي ومناطق الجزيرة السورية في محافظة الحسكة. يشير هذا التوسع الجغرافي الكبير إلى محاولة الإدارة الذاتية لتعزيز شرعيتها على نطاق واسع، ولكن هذه الخطوة جاءت في وقت حساس مع تصاعد التوترات السياسية والعسكرية في المنطقة.
كانت الإدارة الذاتية تسعى لجعل الانتخابات البلدية تتويجاً لسلسلة من الإجراءات القانونية والتشريعية التي نفذتها خلال الأشهر الماضية. من بين هذه الإجراءات المصادقة على عقد اجتماعي جديد وإصدار قانون للتقسيمات الإدارية. إلا أن هذه الخطوات جرت دون مشاركة جديّة من الأطراف والقوى السياسية والشعبية في المنطقة.
ردود الفعل السياسية والعسكرية
- الولايات المتحدة: أعربت الخارجية الأمريكية عن شكوكها في قدرة الإدارة الذاتية على إجراء انتخابات حرة ونزيهة في ظل الظروف الحالية في شمال شرق سوريا. أكدت الولايات المتحدة أن أي انتخابات في سوريا يجب أن تكون شفافة وشاملة وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 2254. جاء هذا الموقف الأمريكي كضربة قوية للإدارة الذاتية، مما أجبرها على إعادة النظر في خطتها الانتخابية.
- القوى السياسية المحلية: واجهت انتخابات قسد معارضة شديدة من القوى السياسية المحلية، بما في ذلك المجلس الوطني الكردي، ورابطة المستقلين الكرد، وهيئة التنسيق الوطنية، بالإضافة إلى النظام السوري والائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية. اعتبرت هذه القوى أن الانتخابات غير شرعية وغير تمثيلية في ظل الظروف الراهنة، مما دفع الإدارة الذاتية إلى تأجيلها لتجنب المزيد من التوتر.
- تركيا: تصاعد التوتر العسكري مع تركيا كان له تأثير كبير على قرار التأجيل. شهدت المنطقة زيادة في الضربات الجوية التركية التي استهدفت مواقع قوات سوريا الديمقراطية وقوات الأمن الداخلي التابعة للإدارة الذاتية. هذا التصعيد العسكري فرض ضغوطًا إضافية على الإدارة الذاتية وأجبرها على تأجيل الانتخابات لتجنب المزيد من التصعيد.
- رفض السكان المحليين للانتخابات: واجهت الانتخابات رفضاً قاطعاً من جميع أبناء المنطقة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد). في مواجهة هذا الرفض، قامت وحدات حماية الشعب، التي يسميها أبناء المنطقة الشرقية بـ “وحدات إرهاب الشعب“، بالضغط على السكان باستخدام أساليب قمعية مشابهة لتلك التي يستخدمها نظام الأسد. هددت الوحدات بقطع الخدمات الأساسية مثل الخبز والمحروقات عن كل من لم يصدر بطاقة انتخابية، مشيرة إلى أن كل من يرفض الامتثال سوف يُحاسب. هذا الضغط الشديد أثار استياء واسعاً بين السكان وزاد من حدة التوتر في المنطقة.
- المعارضة السورية: عبد الحكيم بشار، نائب رئيس الائتلاف الوطني السوري والرئيس الأول للمجلس الوطني الكردي، أشار إلى أن تراجع الإدارة الذاتية عن الانتخابات لم يكن بسبب الضغط الأمريكي فقط، بل جاء نتيجة للرفض السياسي من معظم القوى السورية والكردية وعزوف شعبي واسع عن المشاركة.
محللون ونشطاء: اعتبر العديد من المحللين والنشطاء أن تأجيل الانتخابات يمثل في الواقع إلغاء مقنعاً. رياض درار، الرئيس المشترك السابق لمجلس سوريا الديمقراطية، أكد أن التأجيل جاء نتيجة لتقديرات تتعلق بالمحيط السياسي، معترفاً بضرورة إجراء انتخابات نزيهة لتحقيق الحوكمة المطلوبة.
تأجيل الانتخابات أم إلغاؤها باستحياء؟
في بيانها الصادر يوم 6 حزيران الجاري، عللت الإدارة الذاتية قرار التأجيل بالاستجابة للمطالب الواردة من قبل الأحزاب والتحالفات السياسية المشاركة في الانتخابات، والتي طالبت بتأجيلها لضيق الوقت المخصص للفترة الدعائية ولتأمين المدة الكافية لمخاطبة المنظمات الدولية لمراقبة سير العملية الانتخابية.
رغم التبريرات المقدمة، يعتقد العديد من الناشطين والمحللين أن التأجيل يمثل في الواقع إلغاء مقنعاً للانتخابات. فقد شبّه بعضهم هذا التبرير بالاستخفاف بعقل الجماهير، مثلما وصفت الحكومة السورية المتظاهرين في بدايات الثورة بأنهم خرجوا ليشكروا الله على نعمة المطر!
الخلاصة
تواجه الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) أزمة شرعية حادة في شمال شرق سوريا. رغم محاولاتها اليائسة لتعزيز سيطرتها عبر انتخابات بلدية، إلا أنها تواجه رفضاً واسعاً من السكان المحليين والقوى السياسية. تعمدت قسد إلى استخدام أساليب قمعية، مهددة بقطع الخدمات الأساسية عن كل من يرفض المشاركة في الانتخابات، مما يعكس ديكتاتوريتها المتزايدة. هذا السلوك الاستبدادي لا يختلف عن ممارسات نظام الأسد، ويبرز مدى استغلال قسد للسلطة لتحقيق مصالحها على حساب إرادة الشعب التي لطالما تغنت بها وحدلت حماية الشعب. التأجيل المستمر للانتخابات ليس إلا محاولة فاشلة لإخفاء حقيقة ضعفها السياسي وافتقارها للدعم الشعبي، مما يضع مستقبلها في مهب الريح. في ظل الضغوط الدولية والداخلية المتصاعدة، يبقى مصير الإدارة الذاتية مجهولاً، مع احتمال كبير لإلغاء الانتخابات نهائياً، مما يعزز الشكوك حول قدرتها على تحقيق أي تحول ديمقراطي حقيقي في المنطقة.
قسد بلاء على الجميع .. تحية للجميع
تحية لكم أيضاً. يبدو أن الوضع في شمال شرق سوريا يثير مشاعر القلق والاستياء لدى الكثيرين. نأمل أن تجد مقالاتنا وتحليلاتنا مكاناً في توجيه الضوء نحو القضايا الهامة وإلهام المزيد من الحوار والتفكير البناء.